سورة النساء - تفسير نيل المرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


الآية الرابعة:
{وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (8)}.
{وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} يعني قسمة الميراث {أُولُوا الْقُرْبى} المراد بالقرابة هنا غير الوارثين وكذا {وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ} شرع اللّه سبحانه أنهم إذا حضروا قسمة التركة كان لهم منها رزق فيرضخ لهم المتقاسمون شيئا منها.
وقد ذهب قوم إلى أن الآية محكمة وأن الأمر للندب، وذهب آخرون إلى أنها منسوخة بقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] والأول أرجح، لأن المذكور في الآية للقرابة غير الوارثين ليس هو من جملة الميراث حتى يقال: إنها منسوخة بآية المواريث، إلا أن يقال إن أولي القربى المذكورين هنا هم الوارثون كان للنسخ وجه، وقالت طائفة: إن هذا الرضخ لغير الوارث من القرابة واجب بمقدار ما تطيب به أنفس الورثة وهو معنى الأمر الحقيقي فلا يصار إلى الندب إلا بقرينة.
والضمير في قوله: {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} راجع إلى المال المقسوم المدلول عليه بالقسمة.
وقيل: راجع إلى ما ترك. {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (8)} هو القول الجميل الذي ليس فيه منّ بما صار إليهم من الرضخ ولا أذى.


الآية الخامسة:
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (11)}.
تفصيل لما أجمل في قوله تعالى: {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ} الآية وقد استدل بذلك على جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وهذه الآية ركن من أركان الدين وعمدة من عمد الأحكام وأم من أمهات الآيات لاشتمالها على ما يهم من علم الفرائض.
وقد كان هذا العلم من أجل علوم الصحابة رضي اللّه عنهم وأكثر مناظراتهم فيه.
وورد في الترغيب في تعلم الفرائض وتعليمها ما أخرجه الحاكم والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة لا يجدان من يقضي بها».
وأخرجاه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «تعلموا الفرائض وعلموه فإنه نصف العلم فإنه ينسى وهو أوّل ما ينزع من أمتي». وقد روي عن عمر وابن مسعود وأنس آثار في الترغيب في الفرائض، وكذلك روي عن جماعة من التابعين ومن بعدهم.
والمعنى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ}: أي في شأن ميراثهم وقد اختلفوا: هل يدخل أولاد الأولاد أو لا؟
فقالت الشافعية: إنهم يدخلون مجازا لا حقيقة. وقالت الحنفية: إنه يتناولهم لفظ الأولاد حقيقة إذا لم يوجد أولاد الصلب.
ولا خلاف أن بني البنين كالبنين في الميراث مع عدمهم وإنما الخلاف في دلالة لفظ الأولاد على أولادهم مع عدمهم. ويدخل في لفظ الأولاد من كان منهم كافرا، ويخرج بالسنة، وكذلك يدخل القاتل عمدا، ويخرج أيضا بالسنة والإجماع. ويدخل فيه الخنثى، قال القرطبي: وأجمع العلماء أنه يورث من حيث يبول: فإن بال منهما فمن حيث سبق فإن خرج البول منهما من غير سبق أحدهما فله نصف نصيب الذكر، ونصف نصيب الأنثى، وقيل: يعطى أقلّ النصيبين، وهو نصيب الأنثى، قاله يحيى بن آدم وهو قول الشافعي.
وهذه الآية ناسخة لما كان في صدر الإسلام من الموارثة بالحلف والهجرة والمعاقدة.
وقد أجمع العلماء على أنه إذا كان مع الأولاد من له فرض مسمى أعطيه، وكان ما بقي من المال للذكر مثل حظ الأنثيين، للحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما بلفظ: «ألحقوا الفرائض بأهلها» فما أبقت الفرائض فالأولى رجل ذكر إلا إذا كان ساقطا معهم كالأخوة لأم.
{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} جملة مستأنفة لبيان الوصية في الأولاد فلابد من تقدير ضمير يرجع إليهم: أي للذكر منهم. والمراد حال اجتماع الذكور والإناث، وأما حال الانفراد فللذكر جميع الميراث وللأنثى النصف، وللأنثيين فصاعدا الثلثان. {فَإِنْ كُنَّ}: أي الأولاد، والتأنيث باعتبار الخبر أو البنات أو المولودات {نِساءً} ليس معهن ذكر {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ}: أي زائدات على اثنتين- على أن فوق صفة لنساء أو يكون خبرا ثانيا لكان- {فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ} الميت المدلول عليه بقرينة المقام.
وظاهر النظم القرآني أن الثلثين فريضة الثلاثة من البنات فصاعدا ولم يسم للاثنتين فريضة. ولهذا اختلف أهل العلم في فريضتهما: فذهب الجمهور إلى أن لهما إذا انفردتا عن البنين الثلثين، وذهب ابن عباس إلى أن فريضتهما النصف، واحتج الجمهور بالقياس على الأختين فإن اللّه سبحانه قال في شأنهما {فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ} فألحقوا البنتين بالأختين في استحقاقهما الثلثين كما ألحقوا الأخوات- إذا زدن على اثنتين- بالبنات في الاشتراك في الثلثين.
وقيل: في الآية ما يدل على أن للبنتين الثلثين، وذلك أنه لما كان للواحدة مع أخيها الثلث كان للابنتين- إذا انفردتا- الثلثان ولهذا احتج بهذه الحجة إسماعيل بن عياش والمبرد.
قال النحاس: وهذا الاحتجاج عند أهل النظر غلط لأن الاختلاف في البنتين إذا انفردتا عن البنين. وأيضا للمخالف أن يقول: إذا ترك بنتين وابنا فللبنتين النصف. فهذا دليل على أن هذا فرضهما. ويمكن تأييد ما احتج به الجمهور بأن اللّه سبحانه لما فرض للبنت الواحدة النصف إذا انفردت بقوله: {وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} كان فرض البنتين إذا انفردتا فوق فرض الواحدة وأوجب القياس على الأختين الاقتصار على الثلثين.
وقيل: فوق زائدة والمعنى: وإن كنّ نساء اثنتين كقوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ} [الأنفال: 12] أي الأعناق. وروى هذا النحاس وابن عطية فقالا: هو خطأ! لأن الظروف وجميع الأسماء لا تجوز في كلام العرب أن تزاد لغير معنى.
قال ابن عطية: ولأن قوله: {فَوْقَ الْأَعْناقِ} هو الفصيح وليست {فوق} زائدة بل هي محكمة المعنى، لأن ضربة العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماغ، وهكذا لو كان لفظ فوق زائدا- كما قالوا- لقال فلهما ثلثا ما ترك ولم يقل فلهن.
وأوضح ما يحتج به الجمهور ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم والبيهقي في سننه عن جابر قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقالت: يا رسول اللّه هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا ولهما مال؟ فقال: «يقضي اللّه في ذلك» فنزلت آية الميراث {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} الآية فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى عمهما فقال: «أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك». أخرجوه- من طرق- عن عبد اللّه بن محمد بن عقيل بن جابر. قال الترمذي: ولا يعرف إلا من حديثه.
{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} والمراد بالأبوين الأب والأم والتثنية على لفظ الأب للتغليب.
وقد اختلف أهل العلم في الجد: هل هو بمنزلة الأب فيسقط بالأخوة أم لا؟ فذهب أبو بكر الصديق إلى أنه بمنزلة الأب ولم يخالف أحد من الصحابة أيام خلافته، واختلفوا في ذلك بعد وفاته فقال يقول أبي بكر بن عباس وعبد اللّه بن الزبير وعائشة ومعاذ بن جبل وأبيّ بن كعب وأبو الدرداء وأبو هريرة وعطاء وطاووس والحسن وقتادة وأبو حنيفة وأبو ثور وإسحاق واحتجوا بمثل قوله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ} [الحج: 78] وقوله: {يا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26]. وقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «ارموا يا بني إسماعيل».
وذهب علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن مسعود إلى توريث الجدّ مع الإخوة لأبوين أو لأب، ولا ينقص معهم عن الثلث ولا ينقص مع ذوي الفروض عن السدس.
في قول زيد ومالك والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي.
وقيل: يشرك بين الجد والإخوة إلى السدس ولا ينقصه من السدس شيئا مع ذوي الفروض وغيرهم وهو قول ابن أبي ليلى وطائفة وذهب الجمهور إلى أن الجدّ يسقط بني الإخوة. وروى الشافعي عن علي عليه السلام أنه أجرى بني الأخوة في المقاسمة مجرى الأخوة.
وأجمع العلماء على أن الجد لا يرث مع الأب شيئا وعلى أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم، وأجمعوا على أنها ساقطة مع وجود الأم، وأجمعوا على أن الأب لا يسقط الجدّة أم الأمّ. واختلفوا في توريث الجدة وابنها حيّ فروي عن زيد بن ثابت وعثمان بن علي أنها لا ترث وبه قال مالك والثوري والأوزاعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. وروي عن عمر وابن مسعود وأبي موسى أنها ترث معه، وروي أيضا عن علي وعثمان وبه قال شريح وجابر بن زيد وعبيد اللّه بن الحسن وشريك وأحمد وإسحاق وابن المنذر.
{مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ} الولد يقع على الذكر والأنثى لكنه إذا كان الموجود الذكر من الأولاد- ووحده أو مع الأنثى منهم- فليس للجد إلا السدس، وإن كان الموجود أنثى كان للجد السدس بالفرض وهو عصبته فيما عدا السدس. وأولاد ابن الميت كأولاد الميت.
{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ}: أي ولا ولد ابن- لما تقدّم من الإجماع- {وَوَرِثَهُ أَبَواهُ} منفردين عن سائر الورثة كما ذهب إليه الجمهور من أن الأم لا تأخذ ثلث التركة إلا إذا لم يكن للميت وارث غير الأبوين أما لو كان معهما أحد الزوجين فليس للأم إلا ثلث الباقي بعد الموجود من الزوجين. {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} وروي عن ابن عباس أن للأم ثلث الأصل مع أحد الزوجين وهو مستلزم تفضيل الأمّ على الأب في مسألة زوج وأبوين مع الاتفاق على أنه أفضل منها عند انفرادهما عن أحد الزوجين {فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}: إطلاق الاخوة لأبوين أو لأحدهما، وقد أجمع أهل العلم على أن الاثنين من الإخوة يقومان مقام الثلاثة فصاعدا في حجب الأمّ إلى السدس إلا ما يروى عن ابن عباس من أنه جعل الاثنين كالواحد في عدم الحجب.
وأجمعوا أيضا على أن الأختين فصاعدا كالأخوين في حجب الأم {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ} واختلف في وجه تقديم الوصية على الدين مع كونه مقدما عليها بالإجماع، فقيل: المقصود تقديم الأمرين على الميراث من غير قصد إلى الترتيب بينهما، وقيل: لما كانت الوصية أقل لزوما من الدين قدّمت اهتماما بها وقيل: قدّمت لكثرة وقوعها فصارت كالأمر اللازم لكل ميت.
وقيل: قدمت لكونها حظ المساكين والفقراء وأخّر الدّين لكونه حظ غريم يطلب بقوة وسلطان.
وقيل: لما كانت الوصية ناشئة من جهة الميت قدّمت، بخلاف الدين فإنه ثابت مؤدى ذكر أم لم يذكر.
وقيل: قدّمت لكونها تشبه الميراث في كونها مأخوذة من غير عوض فربما يشق على الورثة إخراجها، بخلاف الدين فإن نفوسهم مطمئنة بأدائه وهذه الوصية مقيدة بقوله تعالى: {غَيْرَ مُضَارٍّ} كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.
{آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً} قيل: خبر قوله: {آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ} مقدر: أي هم المقسوم عليهم، وقيل: أن الخبر قوله: {لا تَدْرُونَ} وما بعده و{أَقْرَبُ} خبر قوله: {أَيُّهُمْ ونَفْعاً} تمييز: أي لا تدرون أيهم قريب لكم نفعه في الدعاء لكم والصدقة عنكم كما في الحديث الصحيح: «أو ولد صالح يدعو له» وقال ابن عباس والحسن: «قد يكون الابن أفضل فيشفع في أبيه» وقال بعض المفسرين: إن الابن إذا كان أرفع درجة من أبيه في الآخرة سأل اللّه أن يرفع أباه، وإذا كان الأب أرفع درجة من ابنه سأل اللّه أن يرفع ابنه إليه.
وقيل: المراد النفع في الدنيا والآخرة قاله ابن زيد، وقيل: المعنى أنكم لا تدرون من أنفع لكم من آبائكم وأبنائكم، من أوصى منهم فعرضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته فهو أقرب لكم نفعا أو من ترك الوصية ووفر عليكم عرض الدنيا؟ وقوى هذا صاحب الكشاف قال لأن الجملة اعتراضية، ومن حق الاعتراض أن يؤكد ما اعترض بينه ويناسبه.
قوله: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} نصب على المصدر المؤكد. وقال مكي وغيره هي حال مؤكدة، والعامل يوصيكم والأوّل أولى.
{إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً} بقسمة المواريث {حَكِيماً} حكم بقسمتها وبينها لأهلها.
وقال الزجاج: عليما بالأشياء قبل خلقها حكيما فيما يقدره ويمضيه.
{وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} الخطاب هنا للرجال. والمراد بالولد ولد الصلب أو ولد الولد لما قدمنا من الإجماع {فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} وهذا مجمع عليه لم يختلف أهل العلم في أن للزوج مع عدم الولد النصف ومع وجوده وإن سفل الربع.
{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ} الكلام فيه كما تقدم.
{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ} هذا النصيب مع الولد والنصيب مع عدمه تنفرد به الواحدة من الزوجات ويشترك فيه الأكثر من واحدة لا خلاف في ذلك، والخلاف في الوصية والدين كما تقدّم.
{وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} المراد بالرجل الميت و{يُورَثُ} على البناء للمفعول من ورث لا من أورث وهو خبر كان، و{كَلالَةً} حال من ضمير {يُورَثُ}، وقيل: غير ذلك.
والكلالة مصدر من تكلله النسيب: أي أحاط به وبه سمي الإكليل لإحاطته بالرأس. وهو الميت الذي لا ولد له ولا والد وهذا قول أبي بكر الصديق وعمر وعليّ وجمهور أهل العلم، وبه قال صاحب كتاب العين وأبو منصور اللغوي وابن عرفة والقتيبي وأبو عبيد وابن الأنباري، وقد قيل: إنه إجماع.
وقال ابن كثير: وبه يقول أهل المدينة والكوفة والبصرة وهو قول القضاة السبعة والأئمة الأربعة وجمهور السلف والخلف بل جميعهم، وقد حكى الإجماع غير واحد وورد فيه حديث مرفوع انتهى.
وروى أبو حاتم والأثرم عن أبي عبيدة أنه قال الكلالة كل من لم يرثه أب أو ابن أو أخ فهو عند العرب كلالة.
قال أبو عمر وابن عبد البر: ذكر أبي عبيدة الأخ هنا مع الأب والابن في شرط الكلالة غلط لا وجه له، ولم يذكره غيره، وما يروى عن أبي بكر وعمر من أن الكلالة من لا ولد له خاصة، فقد رجعا عنه.
وقال ابن زيد: الكلالة: الحيّ والميت جميعا، وإنما سموا القرابة كلالة لأنهم أطافوا بالميت من جوانبه وليسوا منه ولا هو منهم، بخلاف الابن والأب فإنهما طرفان له، فإذا ذهبا تكلله النسب.
وقيل: إن الكلالة مأخوذة من الكلال وهو الإعياء، فكأنه يصير الميراث إلى الوارث عن بعد وإعياء.
قال ابن الأعرابي: إن الكلالة بنو العم الأباعد.
وبالجملة من قرأ (يورّث كلالة) بكسر الراء مشددة- وهو بعض الكوفيين: أو مخففة وهو الحسن وأيوب- جعل الكلالة القرابة، ومن قرأ: {يُورَثُ} بفتح الراء- وهم الجمهور- احتمل أن يكون الكلالة الميت واحتمل أن يكون القرابة.
وقد روي عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس والشعبي أن الكلالة: ما كان سوى الولد والوالد من الورثة.
قال الطبري: الصواب أن الكلالة هم الذين يرثون الميت من عدا ولد ووالد، لصحة خبر جابر: «قلت يا رسول اللّه إنما يرثني كلالة أفأقضي بمالي كله؟ قال: لا» انتهى.
وروي عن عطاء أنه قال: الكلالة المال.
قال ابن العربي: وهذا قول ضعيف لا وجه له.
وقال صاحب الكشاف: إن الكلالة تنطبق على ثلاثة: على من لم يخلف ولدا ولا والدا، وعلى من ليس بولد ولا والد من المخلفين، وعلى القرابة من غير جهة الولد والوالد. انتهى.
{أَوِ امْرَأَةٌ} معطوف على رجل مقيد بما قيد به، أي وامرأة تورث كلالة.
{وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ}: قرأ سعد بن أبي وقاص من أمّ. وسيأتي ذكر من أخرج ذلك عنه.
{فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} قال القرطبي: أجمع العلماء أن الأخوة هاهنا هم الأخوة لأم، قال: ولا خلاف بين أهل العلم أن الأخوة للأب والأم أو للأب ليس ميراثهم هكذا، فدل إجماعهم على أن الإخوة المذكورين في قوله: {فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ رجالا ونساء فلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}: هم الاخوة لأبوين أو لأب، وأفرد الضمير في قوله: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ}، لأن المراد كالواحد منهما، كما جرت بذلك عادة العرب إذا ذكروا اسمين مستويين في الحكم فإنهم قد يذكرون الضمير الراجع إليهما مفردا كما في قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ} [البقرة: 45]. وقوله: {يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34]. وقد يذكرون مثنى كما في قوله: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما}.
{فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ} والإشارة بقوله: من ذلك إلى قوله: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ}: أي أكثر من الأخ المنفرد والأخت المفردة بواحد: وذلك بأن يكون الموجود اثنين فصاعدا ذكرين أو أنثيين أو ذكرا وأنثى.
وقد استدل بذلك على أن الذكر كالأنثى من الإخوة لأم، لأن اللّه شرّك بينهم في الثلث ولم يذكر فضل الذكر على الأنثى كما ذكره في البنين والإخوة لأبوين أو لأب.
قال القرطبي: وهذا إجماع. ودلت الآية على أن الإخوة لأم إذا استكملت بهم المسألة كانوا أقدم من الإخوة لأبوين أو لأب وذلك في المسألة المسماة بالحمارية وهي إذا تركت الميتة زوجا وأما وأخوين لأمّ وإخوة لأبوين فإن للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين لأم الثلث ولا شيء للإخوة لأبوين، ووجه ذلك أنه قد وجد الشرط الذي يرث عنده الإخوة من الأم، وهو كون الميت كلالة. ويؤيد هذا الحديث: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر»... وهو في الصحيحين وغيرهما.
قال الشوكاني في فتح القدير. وقد قررنا دلالة الآية والحديث على ذلك في الرسالة التي سميناها المباحث الدرية في المسألة الحمارية. وفي هذه المسألة خلاف بين الصحابة فمن بعدهم معروف. انتهى.
{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ} الكلام فيه كما تقدم.
{غَيْرَ مُضَارٍّ}: أي يوصي حال كونه غير مضار لورثته بوجه من وجوه الضرار، كأن يقرّ بشيء ليس عليه أو يوصي بوصية لا مقصد له فيها إلا الإضرار بالورثة، أو يوصي لوارث مطلقا أو لغيره بزيادة على الثلث ولم يجزه الورثة. وهذا القيد أعني قوله: {غَيْرَ مُضَارٍّ}، راجع إلى الوصية والدين المذكورين، فهو قيد لهما. فما صدر من الإقرارات بالديون، أو الوصايا المنهي عنها له. أو التي لا مقصد لصاحبها إلا المضارة لورثته فهو باطل مردود لا ينفذ منه شيء لا الثلث ولا دونه.
قال القرطبي: وأجمع العلماء على أن الوصية للوارث لا تجوز انتهى.
وهذا القيد، أعني عدم الضرار، هو قيد لجميع ما تقدّم من الوصية والدّين.
قال أبو السعود في تفسيره: وتخصيص القيد بهذا المقام لما أن الورثة مظنة لتفريط الميت في حقهم.
{وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ}: نصب على المصدر: أي يوصيكم بذلك وصية كقوله: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 11]. قال ابن عطية: ويصح أن يعمل فيها (مضار) والمعنى أن يقع الضرر بها، أو بسببها فأوقع عليها تجوزا فيكون وصية على هذا مفعولا بها لأن اسم الفاعل قد اعتمد على ذي الحال، أو لكونه منفيا معنى. وقرأ الحسن {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} بالجرّ على إضافة اسم الفاعل إليها كقوله: يا سارق الليلة أهل الدار.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)} وفي كون هذه الوصية من اللّه سبحانه دليل على أنه قد وصّى عباده بهذه التفاصيل المذكورة في الفرائض، وأن كل وصية من عباده تخالفها فهي مسبوقة بوصية اللّه، وذلك كالوصايا المتضمنة لتفضيل بعض الورثة على بعض أو المشتملة على الضرار بوجه من الوجوه.
وقد ورد في تعظيم ذنب الإضرار بالوصية أحاديث قال ابن عباس: هو من الكبائر. أخرجه النسائي والبيهقي وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عنه، ورجال إسناده رجال الصحيح.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي- وحسنه- وابن ماجة- واللفظ له- والبيهقي، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى جاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة». ثم يقول أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} إلى قوله: {عَذابٌ مُهِينٌ (14)}. وفي إسناده شهر بن حوشب وثقه أحمد وابن معين.
وقال النسائي: ليس بالقوي.
وقال أبو حاتم: ليس بدون.
وقال ابن عون: تركوه.
فائدة:
قال القاضي محمد بن علي الشوكاني في مختصره المسمى بالدرر البهية في كتاب المواريث هي مفصلة في الكتاب العزيز ويجب الابتداء بذوي الفروض المقدرة وما بقي فللعصبة، والأخوات مع البنات عصبة، ولبنت الابن مع البنت، السدس تكملة للثلثين، وكذا الأخت لأب مع الأخت لأبوين.
وللجدة والجدات السدس مع عدم الأم، وهو للجد مع من لا يسقط.
ولا ميراث للإخوة والأخوات مع الابن أو ابن الابن، وفي ميراثهم مع الجد خلاف، ويرثون مع البنات إلا الإخوة لأم، ويسقط الأخ لأب مع الأخ لأبوين، وذوو الأرحام يتوارثون وهم أقدم من بيت المال، فإن تزاحمت الفرائض فالعول.
ولا يرث ولد الملاعنة والزانية إلا من أمه وقرابتها والعكس.
ولا يرث المولود إلا إذا استهل، وميراث العتيق لمعتقه، ويسقط بالعصبات، وله الباقي بعد ذوي السهام. ويحرم بيع الولاء وهبته ولا توارث بين أهل ملتين، ولا يرث القاتل من المقتول. انتهى.
وقال في شرحه المسمى بالدراري المضيئة: اعلم أن المواريث المفصلة في الكتاب العزيز معروفة لم نتعرض هاهنا لذكرها واقتصرنا على ما ثبت في السنة والإجماع ولم نذكر ما كان لا مستند له إلا محض الرأي- كما جرت به قاعدتنا في هذا الكتاب- فليس مجرد الرأي مستحقا للتدوين فلكل عالم رأيه واجتهاده مع عدم الدليل، ولا حجة في اجتهاد بعض أهل العلم على البعض الآخر، فإذا عرفت هذا اجتمع لك مما في الكتاب العزيز وما ذكرناه هاهنا جميع علم الفرائض الثابت بالكتاب والسنة، فإن عرض لك ما لم يكن فيهما فاجتهد فيه رأيك عملا بحديث معاذ المشهور. انتهى.


الآية السادسة:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19)}.
معنى الآية يتضح بمعرفة سبب نزولها، وهو ما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحقّ بامرأته: إن شاء بعضهم تزوجها.
وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها، فنزلت.
وفي لفظ لأبي داود عنه في هذه الآية: كان الرجل يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو تردّ إليه صداقها. وفي لفظ لابن جرير وابن أبي حاتم عنه: فإن كانت جميلة تزوجها، وإن كانت ذمية حبسها حتى تموت فيرثها. وقد روي هذا السبب بألفاظ.
{لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً} ولا يحل لكم أن {تَعْضُلُوهُنَّ} عن أن يتزوجهن غيركم {لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ} أي لتأخذوا ميراثهن إذا متن، أو ليدفعن إليكم صداقهن إذا أذنتم لهن بالنكاح. قال الزهري وأبو مجلز: كان من عادتهم إذا مات الرجل وله زوجة ألقى ابنه من غيرها أو أقرب عصبته ثوبه على المرأة فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها، فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت، وإن شاء زوجها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا، وإن شاء عضلها لتفتدي منه بما ورثت من الميت، أو تموت فيرثها، فنزلت الآية.
وقيل: الخطاب لأزواج النساء إذا حبسوهنّ مع سوء العشرة طمعا في إرثهنّ أو يفتدين ببعض مهورهنّ. اختاره ابن عطية قال: ودليل ذلك قوله: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} فإنها إذا أتت بفاحشة فليس للوليّ حبسها حتى تذهب بمالها إجماعا من الأمة، وإنما ذلك للزوج. قال الحسن: إذا زنت البكر فإنها تجلد مائة وتنفى وتردّ إلى زوجها ما أخذت منه وقال أبو قلابة: إذا زنت امرأة الرجل فلا بأس أن يضارّها ويشقّ عليها حتى تفتدي منه.
قال السّدي: إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهنّ.
وقال قوم: الفاحشة البذاءة باللسان وسوء العشرة قولا وفعلا. وقال مالك وجماعة من أهل العلم: للزوج أن يأخذ من الناشز جميع ما تملك هذا كله على أن الخطاب في قوله: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ} للأزواج، وقد عرفت مما قدمنا في سبب النزول أن الخطاب في قوله: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ} لمن خوطب بقوله: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً} فيكون المعنى: ولا يحلّ لكم أن تمنعوهن من الزواج {لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ} أي ما آتاهنّ من ترثونه {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}، فحينئذ جاز لكم حبسهن عن الأزواج.
ولا يخفى ما في هذا من التعسف مع عدم جواز حبس من أتت بفاحشة عن أن تتزوج وتستعفّ عن الزنا، وكما أن جعل قوله: ولا تعضلوهن خطابا للأولياء، فيه هذا التعسف! كذلك جعل قوله: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ} خطابا للأزواج فيه تعسف ظاهر مع مخالفة سبب نزول الآية الذي ذكرناه. والأولى أن يقال: إن الخطاب في قوله: {لا يَحِلُّ لَكُمْ}: للمسلمين: أي لا يحل لكم معاشر المسلمين أن ترثوا النساء كرها كما كانت تفعله الجاهلية، ولا يحلّ لكم معاشر المسلمين أن تعضلوا أزواجكم أي تحبسوهنّ عندكم، مع عدم رغبتكم فيهنّ، بل لقصد أن تذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ من المهر يفتدين به من الحبس والبقاء تحتكم، وفي عقدكم مع كراهتكم لهنّ {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} جاز لكم مخالعتهنّ ببعض ما آتيتموهنّ.
{وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي بما هو معرف في هذه الشريعة وبين أهلها من حسن المعاشرة، وهو خطاب للأزواج أو لما هو أعم، وذلك مختلف باختلاف الأزواج في الغنى والفقر والرفاعة والوضاعة {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ} لسبب من الأسباب من غير ارتكاب فاحشة ولا نشوز {فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19)}: أي فعسى أن يؤول الأمر إلى ما تحبونه من ذهاب الكراهة وتبدلها بالمحبة فيكون في ذلك خير كثير من استدامة الصحبة وحصول الأولاد. فيكون الجزاء على هذا محذوفا مدلولا عليه بعلته: أي فإن كرهتموهن فاصبروا ولا تفارقوهن بمجرد هذه النفرة فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل اللّه فيه خيرا كثيرا.
قيل: في الآية ندب إلى إمساك الزوجة مع الكراهة، لأنه إذا كره صحبتها وتحمّل ذلك المكروه طلبا للثواب وأنفق عليها وأحسن هو معاشرتها استحق الثناء الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في العقبى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8